يجد البعض في قلبه حرجًا عندما يسلط الضوء على العقوق بين الآباء والأبناء فيذكر عقوق الأبناء ويتغاضى عن عقوق الآباء وتناسى أن هذا ربما يكون سببًا رئيسيًا في ذاك فقد متغافلاً عن أرقام المقاعد لزهور من المفترض أنهم في ربيع حياتهم ينتظرون ميعاد استشاراتهم النفسية فقد تناسى آبائهم قوله _صلى الله عليه وسلم _“كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته”.
ولكنني لن أن أنسى وقد رأيت أحدهم متمددًا محبطًا ليروي لطبيبه سبب إدمانه، محاولة إنتحاره، أو عزوفه عن بيت العائلة أو معاداة أخوته أو تلك التي كرهت فكرة الزواج وذاك الذي أكل حق أخوته وتجاوز طغيانه لأبناء أخوته لأنه تربى على النرجسية والسيكوباتية والديكتاتورية والعنصرية، فقد كان من نهجه _صلى الله عليه وسلم _إذا رأى خطأ متفشيًا في المجتمع لم يتجاهله ويقوم ويخطب في الناس ويقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا” ثم يقدم ما يداوي هذا الخطأ.
وتباعًا لما ذكرنا سالفًا، سأروي لكم قصصًا تصور لكم بعضًا من واقعنا الأليم على لسان فتيات وصبيان كانت نقمتهم في الحياة آبائهم، واقتداءًا بالحبيب سيكون القص دون ذكر أسماء لأن هدفي عرض المشكلة وإيجاد حلها.
قصص واقعية لعقوق الآباء لأبنائهم:
١_صورة للتفرقة بين الأبناء:
كانت فتاة في العاشرة من عمرها وفي غرفة الكشف تعجب الطبيب من ضغطها المرتفع ومعاناتها من القولون العصبي، فما الذي يجعل فتاة في سن العاشرة تعاني هذه الألام وكلما غضبت أو بكت تتقيأ، لتجلس هي وتقول توفي أبي وأنا في الثانية من عمري، وكانت جدتي لأبي تحدثني عن خصامها معه وكم أنه سيئ في نظرها، وكم أن عمي وأبنائه رائعين في نظرها، كنت أرى في عينيها حبًا كامنًا لعمي وأبناء عمومتي وكنت أرى بغضها لي وحديثها اللعين عن أبي، نعم ربما كنت صغيرة لا أعي، لكن جسدي كان يشعر ويترجم حديثها لأسابيع مرض، وبفضل احتواء جدتي لأمي لهذا الوجع لم تكن تحملني قدماي لطبيب وأنا الآن فتاة عشرينية وما زال ضغط الدم المرتفع والقولون العصبي يعكران علي صفو حياتي. هذه صورة أورثت مرضًا لفتاة فهل ستتحملونه عنها، فإن كنتم لا تستطيعون مصادرة قلوبكم فلا تظهروا مشاعركم،وقسموا الحب بالتساوي، وقد رفض الرسول أن يشهد على هبة والد لأحد أبنائه، وقال له: “إني لا أشهد على جور”.
٢_طبيعة التعامل:
يروي أحدهم ويقول كنت أحب تهذيب شعري، وكلما طال قليلاً قصه أبي دون مبرر، ووصفني بالمتشبه بالنساء والمنحل والفاسق، أبي كان يظن أن هذا تدين ولكن هذا تشدد ولد تشتت بداخلي وهذا ليس من الدين، فقد كبرت وعلمت أن المؤمن جميل ويهتم بمظهره وأن النبي _صلى الله عليه وسلم _كان يهذب شعره، خلق أبي بيني وبين مظهري علاقة معقدة. وتروي إحداهن عشت طوال طفولتي أتمنى ارتداء فستان وردي قصير كفتيات سني، ولكن أبي فرض علي الحجاب وأنا في سن صغير جدًا، فكانت علاقتي الأولى بجسدي أنه عورة مكروهة، كبرت الآن وأؤمن بالحجاب والحشمة ولكن بداخلي طفلة حرمت من ذاك الفستان، لربما راودتني كثيرًا فكرة خلع الحجاب لأرتدي الفستان، لذلك أدركوا طبيعة المراحل التي يمر بها أبنائكم اخلقوا بينهم وبين دينهم علاقة حب وتعلموا أن الحل والحرمة متعلقان بسن التكليف والتمييز وليس من الطفولة.
وقد كان النبي _صلى الله عليه وسلم يعالج حتى الأمور الشائنة بشئ من الحكمة والحب دون تشدد ولا يخفى علينا قصة الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا، وكاد الصحابة أن يجنوا من طلبه وأن يبطشوا به، ولكنه قربه منه، وكلمه بحوار العقل والقلب، وطرح عليه أسئلة تهدم، بالحوار البناء، رغبته الهدامة، فقال له:” أترضاه لأمك؟” قال: لا والله يا رسول الله. فقال له صلى الله عليه وسلم: “فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم”، أترضاه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله؟ قال: فإن الناس لا يرضونه لأخواتهم… وما زال به يذكر أقاربه من عمته وخالته، ثم وضع يده على قلبه، ودعا له بالهداية. فخرج الشاب وهو يقول: والله يا رسول الله ما كان أحب إلى قلبي من الزنا، والآن ما أبغض إلى قلبي من الزنا.
٣_الإستبداد:
اتصلت إحداهن ببرنامج لحل المشكلات الزوجية وتبكي لأنها لا تطيق الحياة مع زوجها وحاولت كثيرًا ولم تستطع تحمل طبعه وضربه إياها وإهانتها، وتقول أنها كانت لا تريده وغصبها أهلها على الزواج منه دون رضاها وهذا من أشد أنواع العقوق فقد دمروا ربيع عمرها لا سامحهم الله. وعندنا النبي _صلى الله عليه وسلم _وقد جاءته فتاة تشكو إليه أن والدها أراد أن يزوجها قريبا لها ليرفع به خسيسته، فرد الرسول صلى الله عليه وسلم الزواج، فلما رأت الفتاة أن الأمر لها، قالت: يا رسول الله، قد أجزت ما أجاز أبي، غير أني أحببت أن أعلم من ورائي من النساء أن ليس للآباء في هذا الأمر شيء. ومن مظاهر العقوق أيضًا أن يختار الوالد لولده -أو بنته- مجال دراسة لا يرغب فيها، أو أن يفرض عليه عملا لا يحبه، أو مهنة لا يهواها، كل ذلك نوع من الاستبداد.
٤_العلاقات المحرمة:
فهذه فتاة تقول نحن لسنا كما نبدو أمام العالم فأبي صاحب المنصب المرموق يتبادل الرسائل الغرامية واللقاءات المحرمة مع امرأة أخرى، وقد اهتزت صورته بداخلي حتى صرت لا أستطيع رؤيته بصورته الوقورة التي يراها الناس، بل وانتقمت من نفسي فصرت أتبادل أنا الأخرى رسائلاً مع صديق دون علم أبي ولكن الحمدلله أني استفقت من غفلتي ولكن متى سيعود أبي ليتفقد أحوالنا، ألم يعلم أن الرسول صلى_ الله عليه وسلم _قال:” اتق المحارم؛ تكن أعبد الناس”.
٥_الإهتمام بالعرض وإهمال الجوهر:
يقول نحن عائلة المظاهر نرتدي تلك الماركات العالمية، ونمتطي تلك السيارات الحديثة، ولكننا لم نذق يومًا طعم التجمع على مائدة طعام واحدة سوى لنلتقط صورة ليراها الناس على مواقع التواصل الإجتماعي وكل منا قد رسم ابتسامته المزيفة، نحن أبناء سافر والدهم فهو بمثابة بنك مالي لا أكثر و والدتهم ضاع عمرها بين مدارج الحياة التي لا ترحم، نحن لا نريد المال نحن نريد الدفء، نحتاج لمن يصغي لنا.
ذكرت قليلاً من صور العقوق، التي لا تمثل نقطة في بحر العقوق الذي أغرق المجتمع، ولكن أرجو أن يكون لفتة جيدة توقظ أولياء الأمور ليرتبوا أولوياتهم ويلتفتوا لأبنائهم.